لقد كان موضوع النّسختين السّابقتين للمنتدى المُواطِنيّ الدُّوَليّ للتّربية والتّعليم تباعا: البيداغوجيا الجامعيّة وتكوين المدرّسين (النّسخة الأولى، مارس 2017، صفاقس (تونس)) وحوكمة الأنظمة التّعليميّة وجودتها (النّسخة الثّانية، مارس 2019، الحمّامات (تونس). وتنتظم هذه النّسخة الثّالثة في إطار تمشٍّ تواصل التّفكير والتّحليل والاقتراح، وبمنطق العمل الجماعيّ المشترك (Boudon 1973، Olson 1978، Amblard 2005، إلخ.، وبوضع المتعلّم في مركز جميع الاهتمامات، وذلك على امتداد العُمر (Delors 1996، Morin 1999، Unesco 2015). إنّ التّعليم يمثّل اليوم محور الانشغالات جميعا في العالم : في التّفاوت الاجتماعيّ وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعيّة جميعها محلّ نقاش (Dubet 2011، 2021). فالمدرسة، التي كانت تُعتَبَر في السّابق ركيزةَ الاندماجِ في المجتمع وفي المُواطَنَة وفي ثقافةٍ متشرِّبة بالتّقدّم، يمكن أن تكون اليوم بالنّسبة إلى عدد كبير من الأشخاصِ شَبيهةً بِأداة تكرّس الظّلمَ والإقصاءَ والمسّ من الكرامة والوصْم (Costosero 2014، MSS 2018، Dubet 2020، OCDE 2020). زِد على ذلك، وكما تؤكّد الأمم المتّحدة، نحن بإزاء خطر حِرمان الإنسانيّة من استثمار طاقة مهولة هي التّربية والتّعليم، وإلحاق الضّرر الفادح بعشرات السّنين من التّقدّم مع تعميق الفوارق المستعصية (Guterres 2020). مع الأزمة الصّحيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المرتبطة بجائحة كوفيد-19، علّمتنا سنتا 2020 و2021 أنّ هنالك حاجة ضروريّة وعاجلة إلى إعادة البناء (إعادة التّفكير في أُسُس التّربية والتّعليم وغايتها في إطار رؤية جديدة للعالم)، وإلى المُعالجة (تحيينُ مختلف المسارات التّربويّة-التّعليميّة والسّينايوهات البيداغوجيّة وبناؤها)، وإلى إعادة الهيكلة (إعادة التّفكير في هندسة تربويّة-تعليميّة في ظلِّ دراسات العمل والتّصميمات التّقنيّة والهيكليّة : البيئة التّنظيميّة، والتّقنيات والظّروف البيداغوجيّة). ما هو مطروح إذن، أكثر من أي وقت مضى، أن نواجهَ رهانا رئيسيّا يتمثّل في إصلاح الأنظمة التّربويّة-التّعليميّة من أجل تكوين مواطنين مسؤولين ويقظين، قادرين على الاندماج في محيطهم الشُّغليّ وعلى حمل المشاريع والتّطوّر في عالم اجتماعيّ واقتصاديّ على درجة عالية من التّنافسيّة (ACE 2021) يتطلّب مهارات مستدامة وقابلة للنّقل (Dujardin 2013). إنّ فريق المنتدى، مستندا على نجاح النّسختين السّابقتين، على اقتناع كبير بأنّ بناءَ نظامِ تربويٍّ-تعليميّ يكون في الآن ذاته معاصرا ومتجذّرا فيف تراثه الثّقافيّ، مبنيّا على ديمقراطيّة حيّة وديناميكيّة، منفتحا على مشاركة المواطِنِ وعلى التّنوّع، هذا البناء رهينةُ تعليمٍ مُتاحٍ للجميع وعادلٍ وكونيّ، ذي جودةٍ ومُدمِجٍ.
إنّ صياغة النّسخة الثّالثة للمنتدى المُواطِنيّ الدُّوَليّ للتّربية والتّعليم تنخرط منطقيّا في سيرورة النّسختين السّابقتين. وستتمّ إبراز مكانة المتعلّم وتنزيلها مَنْزِلةً مركزيّة ضمن أنشطة التّفكيرِ والتبادُل الأفكارِ وتقاسُم نتائج البُحوث وتقارير التّجارِب بمناسبة إلقاء المُحاضراتِ والورقاتِ العِلميّة واللاّفتات والمَوائِدِ المُستديرة وعرْض الأدواتِ والوسائلِ المُجدِّدة. بوجهٍ مخصوص، تهدِف هذه النّسخةُ الثّالثة إلى اقتراحِ صياغةِ توصيفاتٍ مُهَيكَلَةٍ ونتائج فحوصٍ استراتيجيّة واقتراح تحويراتٍ ممكنة حاملة لعدالة اجتماعيّةٍ حول عمليّاتِ تخفيفِ التّفاوت التّعليميّ، والانقطاع والفشل المدرسيّ والجامعيّ، وتشغيليّة الشّباب والأكبر سِنًّا (تمامًا على نفس القدر مع حاملي الأستاذيّة/الإجازة والدّكتوراه).
فضلا عن ذلك، يهدف ضبط المحاور وتنظيمُها إلى استدعاء مساهمات متنوّعة (أكاديميّة وأخرى قائمة على الخبرة) ومتميّزة (ذات قسيمة بالنّسبة إلى المتدخّلين وذات فائدة مُواطِنيّة)، تدعو إلى التّفكُّر ومُجدِّدة وذات بعدٍ تطبيقيّ (تجمّع الأفكارَ وتقترح مسالكَ عمليّة).
في هذا المنظور، يدعو الموضوع المركزيُّ للمنتدى بقوّة إلى مساءَلة أبعادٍ عديدة مترابطة بالنّهْل من تعدّد الاختصاصات والطّابع الشّموليّ من خلال مختلِف المحاور.
يمكن للمتدخّلين أن يطرحوا تساؤلات من قبيل: ما هي الرّسالة التي يجب أن يضطلع بها مختلِف مستويات التّعليم (بما في ذلك ما قبل المدرسة)؟ كيف نوجّه السّياسات التّعليميّة ووفق أيّ مشروع؟ كيف نفهم التّفاوت الاجتماعيّ والتّعليميّ؟ ما هي النّتائج التي يمكن أن نخرج بها من الانقطاع أو الفشل المدرسيّ أو الجامعيّ ومن بطالة حاملي الشّهادات؟ كيف تنشيط دافعات المعالجة البيداغوجيّة؟ ما المكانةُ التي يجب أن تحظى بها المقاربة التّوجيهيّة لإضفاء معنى على التّعلّمات وتحفيز الاستبقاء المدرسيّ؟ كيف يمكن تثمين التّكوين المهنيّ؟ ما هي المقترحاتُ لتحسين المهارات والمؤهّلات وإمكانيّات التّشغيل؟ هل يمكن لبعث المشاريعِ، بما هو نشاط مندمج في المساراتِ المدرسيّةِ والجامعيّةِ، أن يساهم في التّشغيليّة؟ كيف يكون التّكوين للبحث العلميّ والتّحضير للمستقبل؟ كيف نحلّل بالقياس إلى ممارسات البحث العلميّ وتمويله؟ كيف يتمّ تكوينُ مِهنيِّي المستقبل في مجال التّعليم أو في غيره مع أخذِ التّطوّر العلميّ والتّكنولوجيّ في الاعتبار. ما الدّور الذي يمكن أن يلعبه تقييم البرامجِ بالنّبة إلى تحسين جودة التّكوينِ وتميُّز المسارات؟ كيف ننظر إلى التّجهيزات الرّقميّة والبيداغوجيّة مستفيدين من تجربة الأزمة الصّحيّة النّاتجة عن جائحة كوفيد-19؟ ما هي استراتيجيّات الحَوْكمة وقيادة التّغيير التي يمكن أن نصوغها في ظروفِ الأزمة الصّحيّة والأزمات الاجتماعيّة والثّورات الرّقميّة؟ إلخ.
التنظيم:
من أجل إعطاء فرصة أكبر للتفكير والنقاش والمقترحات المختلفة والعملية، سينكبّ هذا المنتدى على دراسة سبعة محاور. ستسمح موائد مستديرة لمختصين في محاور المنتدى بالتناقش في إطار نظري وتطبيقي. وستمكّن المداخلات والمعلّقات من الإشراك المتبادل في معارف وتجارب في التربية بين باحثين وخبراء من مختلف الميادين ذات العلاقة، وفاعلين في الوسط التربوي وفي المجتمع المدني. كما ستمنح النقاشات، بأشكال مختلفة، فرصة للمشاركين لتحقيق تجاوز للقصد إلى الالتزام والتأمل في الممارسة.
المراجع البيبلوغرافية
- ACE ( 2021). Réforme du système éducatif tunisien [2015]. Communiqué de presse. Alliance citoyenne pour l’Éducation (Tunisie).
- Amblard, H., Bernoux, P., Herreros, G., et Livian, Y.-F. (2005). Les nouvelles approches sociologiques des organisations (3e éd.). Seuil
- Boudon, R. (1973). L’inégalité des chances : la mobilité sociale dans les sociétés industrielles (Collection u). A. Colin.
- Cortesero, R. (2014). L’urgence à inventer de nouvelles alliances entre l’école et les jeunes. Le Lab
- Delors, J., Commission internationale sur l’éducation pour le vingt et unième siècle, & Commission internationale sur l’éducation pour le vingt et unième siècle. (1996). L’éducation : un trésor est caché́ dedans : rapport à l’Unesco. UNESCO.
- Dubet, F. (2011). Égalité des places, égalité des chances. Études, 414, 31-41.
- Dubet, F. (2020). Chapitre 39. Les mutations du travail éducatif. Dans : Noël Touya éd., Travailler en MECS: Maisons d’enfants à caractère social (pp. 765-771). Dunod.
- Dubet, F.& Duru-Bellat, M. (2021). Épreuves et paradoxes de l’égalité des chances. Dans Sylvie Octobre, & Sirota, Régine (dir). Inégalités culturelles : retour en enfance. Paris: Ministère de la Culture – DEPS.
- Dujardin, J-M. (2013). Compétences durables et transférables : clés pour l’employabilité. De Boeck.
- Gutteres, A. (2020). L’éducation en temps de Covid-19 et après. Note de synthèse. ONU.
- Morin, E. (1999). Les sept savoirs nécessaires à l’éducation du futur. Seuil.
- OCDE (2020), Regards sur l’éducation 2020 : Les indicateurs de l’OCDE. OCDE.
- Olson, M. (1978). Logique de l’action collective. Presses Universitaires de France.
- UNESCO (2015). Repenser l’éducation : vers un bien commun mondial ? UNESCO.