طب الأسنان في مرآة التاريخ العربيّ دراسة لسانيّة تطبيقيّة- مقارنة. إضاءات على مستقبل المهنة بين التاريخ وأدوات العصر
فتحت اللسانيّات التطبيقيّة بابًا واسعًا يفيد في تعديل مناهج اللغة العربيّة وتطوير الموضوعات التي تستأهل الدراسة. حريّ بالذكر أنّ اللسانيّات التطبيقيّة تدمج حقولًا متخصّصة في مجالات البحث اللغويّ، أي ترصد موضوعات متشعّبة، تمكِّن من ربط اللغة بحقول علميّة- معرفيّة إنسانيّة، وبالتالي توسّع نطاق البحث اللغويّ، والمجدي في الأمر أنّ التطبيقيّات الوظيفيّة اللسانيّة تتيح تشبيك ما جرى بحثه تخصّصيًّا في إطار تربويّ محدّد الأهداف والكفايات. وبذلك تتسلّل اللغة بشكل عمليّ إلى ميادين الحياة كافّة، فتزيد من زخمها ووجودها وتطبيقها، ثمّ تتشكّل من هذه الحالة قيمًا تربويّة ميدانيّة تعين على المقارنة والوصول إلى خلاصات ونتائج، لدعم المتعلّمين ورفدهم بمعارف أصيلة من صلب تاريخهم الغنيّ بالمنجزات، وإثراء واقعهم التعبيريّ اللغويّ- الثقافيّ نحو استشراف المستقبل بناء على وسائل العصر المعرفيّة- التكنولوجيّة.
مع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبح كل شيء ممكنًا. ومن هذا المنظور، نعتزم الجمع بين المعرفة التاريخية المتعلقة بمجال طب الأسنان مع “برامج الذكاء الاصطناعي” – ومن ضمنها مثلًا ChatGPT.
في الواقع، يطرح بحثنا إشكاليّة العودة إلى مصطلحات طب الأسنان التي تُدَرَّس في مقرّرات اللغة المخصصة لطلاب طب الأسنان في السنة الجامعيّة الثانية، تحديدًا في جامعات لبنان. وللقيام بذلك، فإننا نركز، من ناحية، على مدى نجاح تدريس معجم طب الأسنان من خلال استعراضات تاريخية وثقافية تتعلق بالمهنة، ولا سيّما ما يرتبط بالحضارة العربيّة، ومن ناحية أخرى، هناك تساؤل حول مدى تحفيز العمل التأملي التحليلي الذي يدفع المتعلمين إلى تخيل ما سيكون عليه طب الأسنان في القريب العاجل، أو المستقبل البعيد للمهنة.
صيغَتْ فرضيتنا على النحو الآتي: بعد ظهور برامج الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، سيكون من المناسب دمجه في تدريس طب الأسنان في لبنان، لجذب مزيد من الإبداع التطويريّة في منهجيّة المقرّرات، ولا سيما في الشق المعنيّ بتعليم معجم طب الأسنان، وروافده المعجميّة الحضاريّة الأصيلة، على أساس اللغة العربيّة، وما قدّمته للعالم في هذا الصدد. وبالتالي، فإنّه لا يمكن القيام بهذا الإجراء إلا من خلال العودة إلى التاريخ المهني والثقافة المتعلقة بمهنة المتعلم المستقبلية. اعتقادنا هذا يرتكز إلى واقع اجتماعيّ – لغويّ، فبيئة الطلاب ناطقة باللغة العربية إلى حد ما (بيئة أصيلة للمتعلمين)، هذه البيئة اللغويّة قد أسهمت تاريخيًّا في إيجاد حلقة حواريّة- حضاريّة حول علوم طب الأسنان بين العرب وترويجهم لتراثهم الذي وصل إلى الغرب.
في هذا السياق غير المسبوق، تعد مواضيع مثل طب الأسنان عن بعد، والهندسة الحيوية لطب الأسنان، وتخصيص الرعاية، والتعليم المستمر، وما إلى ذلك، مواضيع متنوعة تسلط الضوء على العودة التاريخية إلى معجم طب الأسنان، وتشرك المتعلم في التفكير التحليلي حول مستقبل طب الأسنان و يدفعه إلى الاستثمار في مشروع خلق المصطلحات، على سبيل المثال لا الحصر.
وبالتالي تسمح لنا فرضيتنا بمعالجة الأسئلة التالية: كيف يمكن لدمج “برامج الذكاء الاصطناعي” في تدريس طب الأسنان في لبنان أن يؤثر في ممارسات التدريس؟ إلى أي مدى تستطيع “برامج الذكاء الاصطناعيّ” ابتكار أساليب لتدريس المجال المعجمي لطب الأسنان؟ إلى أي درجة تسهم ثقافة المتعلّم الحضاريّة اللغويّة والمهنية بتحفيز إبداعيّته التخصّصيّة وإثراء جهازه الإبداعيّ؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بإجراء قراءة اجتماعية ولغوية ومعجمية وتاريخية لبعض مفاهيم طب الأسنان من خلال التأرجح بين الماضي والحاضر، ثمّ استشراف المستقبل لمهنة الطب.